بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد، فأيها الأحبة في الله:
شهر شعبان، هو الموسم الختامي لصحيفتك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟
ثم كيف تحب أن يراك الله جل جلاله بينما ينظر سبحانه إلى صحيفتك؟
من أجل هذا وهذا، كان من حال السلف أنهم يغلقون حوانيتهم في شعبان ويقولون: هو شهر القُرَّاء.
نعم أيها الإخوة.
وأنا أحبكم في الله.. أريدكم أن تتأملوا لفظ (القُرَّاء)، حيث الإشارة الواضحة إلى الاحتراف.
نعم احتراف التلاوة، وإدمان القيام.
فإن كنا نريد أن نقرأ القرآن في رمضان قراءة المحترفين، فلنبدأ من الآن في الإحماء والتسخين..
نعود للسؤال المهم: بم سيُختم عامُك؟ وكيف تحب أن يراك الله بينما ينظر سبحانه إلى صحيفتك؟
الإقبال عل العمل الصالح كله، وخصوصًا قراءة القرآن.. نعم هذا جيد.
الذكر وإصلاح الصلوات وكثرة الصدقات.. نعم هذا عظيم.
بر الوالدين، وأداء حقوق العيال، وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين، وخدمة المسلمين.. ما أحسن هذا كله.
لكن أهم وظائف شعبان.
أولًا: الحياء من عين الله جل جلاله:
إن نظرة تأمل لحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شعبان، تظهر لك أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني في شهر شعبان، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: «وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
إنه الحياء.. أهم ما يشغلك والله الكبير المتعال ينظر في صحيفتك: أن تستحي من نظره لجرائم عظيمة أشدها خطرًا ما نسيت منها قال سبحانه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} فأظلم المذنبين ينسى ما قدمت يداه.
وتستحي كذلك من نظره لقربات امتلأت بالتقصير، قال بعض السلف: إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك.
كل ما كتبته الملائكة في صحيفتك يجلب الحياء.
كل ما يراه الله في صحيفتك سوءات وعورات.. فهلا استحييت؟
استح ِمن نظره.. فتعَرَّض له سبحانه- أثناء شهر عرض العمل عليه- بكل عمل صالح تطيقه، وإن كانت التلاوة تأخذ ساعة أو أكثر، وإن كانت الصلوات تأخذ مثل ذلك، وإن كان الذكر مثل ذلك.
فإن الصوم شأنه شأن آخر.
إنه يأخذك من أول اليوم إلى آخره، فتصبح في كل لحظة من لحظات أيام شعبان تحمل اسم عبد الله الصائم.
فلا يهدأ بال العبد الحيي إلا إذا ضمن أنه أيما لحظة ينظر فيها الله جل جلاله إلى صحيفته، فسيراه في ذات اللحظة ظمآنًا من أجله، جائعًا من أجله، ممتنعًا عن شهوته حتى يرضى.
ومن الحياء في الصوم كذلك: أنه امتناع عن مباح لا تأثم بإتيانه.
فبينا ينظر سبحانه لسيئة اقترفت بها شيئا لم يكن لك، إذ بك تتراءى له سبحانه بأنك ممتنع عن المباح من أجل وجهه جل جلاله..
تالله إن هذا لهو الاعتذار بالحياء، حالك حينئذٍ مولاي واسوءتاه وإن عفَوت.
اللهم اغفر ذنبًا ما كان ليضرك.
اللهم اجبر نقصًا لم ينقص من ملكك.
الوظيفة الثانية في شعبان: التلذذ باغتنام غفلة الناس:
لما قال أسامة بن زيد رضي الله عنه: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان!
قال صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان».
مضى رجب بعد أن فرَّغ فيه الرجبيون طاقاتهم الإيمانية في صوم مخصوص، ثم ها هم في شعبان يفطرون.
كأنهم يجمعون في بطونهم اتقاءً من رمضان.
مضى رجب عند كثير من جهال المسلمين هداهم الله، وهم الآن ينظرون إلى أول رمضان كأنهم في إجازة من التعرض لرحمات الله جل جلاله، حتى من بقي عنده شيء همة، يصرف همته في ليلة النصف من شعبان بصلاة مخصوصة ودعاء مخصوص واحتفال حابط.
أما من سار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم.. فإن شعبان موسمه.
إن الناس في أسواق (الياميش)، وآخرون يسجلون أسماءهم في الدورات الرمضانية، وغيرهم.
أما هو.. فهل تدري أين هو؟ حاول أن تتخيل مع من هو؟
إنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: «العبادة في الهرْج كهجرة إلي»، «العبادة في الفتنة كهجرة إليّ».
إنه الغريب الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه يود أن يرى رسول الله ولو دفع ماله ونفسه، يُصلِح إذا أفسد الناس، صالح حال فساد الناس، يُصلح ما أفسده الناس.
فيجمع في عباداته في شعبان بين الحياء سالف الذكر، وبين هذه اللذة المذكورة: الفرح بنعمة الله أن وفقه لذكره وعبادته حال لهو الخلق، وشعبان موسم غفلة بنص كلام المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.
الوظيفة الثالثة في شعبان: استشعار قرب فتح باب الجنة.. وغلق باب النار:
بالله عليك أخي! لو أنك واقف خارج الجنة وعلمت أن بابها يكاد يفتح.. فكيف كنت ستنظر إليه؟
كأني بعينيك تنظر إليه كله.. تأتي به من أوله إلى آخره.. ثم تنظر إلى ما بين مفصلاته ربما يأتي منها بصيص نور قبل طرف الباب.. ثم تحاول أن تتخيل ما أول ما ستراه.. ثم تتوهم مسابقتك الناس في الدخول...
نريد أن نتحفز هكذا لرمضان، فيصبح استعدادنا يحمل هذه الروح.
حتى إذا فُتح الباب ملأنا أعيننا بعطايا الجنة، واغتنمنا قطوفها.
وكذلك نريد إذا أغلق الله تعالى باب النار في رمضان ألا نكون ممن يتسورون النار.
إذا أغلق الله عنك باب شر فلا تفتحه، لا تتسوره.. هل تريد مثالًا؟
الكبر مثلًا.
أليس الله تعالى قد أغلق عنك مسوغات هذا الباب؟
ألست لست للأسف من العلماء الربانيين؟
ألست لست للأسف من العباد الزاهدين؟
ألست لست للأسف من الدعاة ولا المجاهدين؟
فعلام الكبر؟ ! ولم الغرور؟! وبم الرياء؟
إذا أغلق الله عنك باب شر فلا تتسوره.
حتى إذا دخل رمضان وأغلق باب الكسل عن المساجد، ودخل الناس المساجد تدخل معهم، ولا نراك بينما يصلي الناس التراويح، وأنت تقوم بتنزيل درس من الإنترنت.
حتى إذا أغلق باب الزنا وغض الناس أبصارهم تغض بصرك معهم، ولا نراك تكنس الشوارع ببصرك وتقول: انظر كيف يتعمد النصارى العري في رمضان.
حتى إذا أغلق باب المشاحنات والانشغال عن الأرحام ووصل الناس أرحامهم نراك معهم تصل رحمك، ولا نراك تختلق مبررات تقطع بها رحمك.
هكذا أيها الإخوة نعيش شعبان، لنربح به رمضان.
فاللهم ابدأنا بعطفك ولطفك.
وارزقنا من رحماتك وبركاتك ما يجعل شعبان أبرك شهور حياتنا.
وتقبل فيه خير أعمالنا.. وتجاوز فيه عن موبقاتنا.
وبلغنا رمضان ونحن في أفضل ما تحبه وترضاه من أحوالنا.
وارزقنا قوة وعونا منك على طاعتك.
آمين آمين آمين وصلى الله على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
الكاتب: محمد حسين يعقوب.
المصدر: موقع المنبر العلمي.